مصداق عبادة العجل في زمن الإمام الحسن (ع)
صلح الإمام الحسن (ع) يعود إلى الفساد العقائدي الذي أصاب المسلمين، حيث أن المسلمين في حادثة السقيفة بدلاً من اختيار الإمام العادل والعالم، توجهوا نحو إمام جاهل. وهذه الميول الباطلة من الناس هي مصداق لعبادة العجل.
مجموعة الدين والفكر “وكالة أنباء دانشجو”، حامد صارم؛ عندما نلاحظ حياة البشر، نجد أن الشخصيات العظيمة ليست قليلة، فهناك العديد من الأشخاص الذين أصبحوا أساطير لشعوبهم، وقد تم المبالغة في وصف هؤلاء الأشخاص لدرجة أنهم أصبحوا أكثر من أساطير وتحولوا إلى خرافات.
شخصية في قمة الوجود
هذه المرة الحديث عن شخصيةٍ وقفت في قمة الوجود بحيث لا يستطيع المداحون الوصول إلى جوهر وصفها ونهائِه – كما في “الجامعه الكبيرة” – ولم يخلق الله شيئًا في هذا العالم يمكن مقارنته بتلك الشخصية العظيمة – كما في “معاني الأخبار” – فحقًا كيف يمكن الوصول إلى أتم وصف لها أو مقارنتها بأي إنسان عادي، بينما هي المجتبى؟
لقد اختارها الله واصطفاها لنفسه، وجعل قلبها وعاءً لمشيئته؛ ومن الواضح أنه عندما ينظر الإنسان العاقل إليها بهذه المناقب، لا يمكن لعقله أن يأمر إلا بالخضوع والطاعة لها، لأن إرادتها هي إرادة الله، فإذا أطاعها، فقد أطاع الله، وإذا رضي بها، فقد رضي عن الله.
إرادة الإمام هي إرادة الله.
هل يمكن نقد هذه الشخصية العظيمة التي إذا اجتمع كل العقول لن يتمكنوا من وصف أي جانب من جوانبها – كما في خطبة الإمام الرضا في مرو؟ هل يمكن التساؤل عن سبب عدم حمل السيف؟ لماذا صلح؟ لماذا، ولماذا، ولماذا؟
بالتأكيد، أي سؤال يُطرح عن هذه الشخصية يجب ألا ننسى أنه قد أُرسلها الله لهداية خلقه، ولذلك يجب أن نطابق أنفسنا مع سلوكه، لا أن نطالب هو بأن يتطابق معنا! إذا أُخذت هذه النقطة بعين الاعتبار، فإن هذه الأسئلة سيتغير اتجاهها، عندها سنبحث في سيرة الإمام لنعثر على الهداية، لا أن نبحث عن النقد أو اللوم، ويجب ألا تُترك شبهات المخالفين دون إجابة.
الأحداث التي وقعت في صدر الإسلام وفي حياة الإمام الحسن عليه السلام لها أهمية كبيرة، ولكننا سنكتفي بالإشارة إلى جزء صغير جدًا منها، علّنا نتمكن من رؤية طريق الهداية بشكل أكثر وضوحًا.
محتوى الصلح علامة على خوف وعجز معاوية.
من أحد أهم الأحداث هو صلح مع شخصٍ كان ملعونًا في لسان رسول الله صلى الله عليه وآله. هذا الصلح ظل مثارًا للتساؤل حتى الآن، وقد قام المحللون بتقديم العديد من التحليلات حول سبب هذا الصلح. هل كان الصلح قبولًا للهزيمة أم كان محاولة لفرض الهزيمة على العدو؟ من خلال نصوص الاتفاقية، يتبين أن الإمام حسن عليه السلام دخل في الصلح من موقف قوة، وأن الشروط التي وردت في وثيقة الصلح تُظهر عجز العدو وخوفه.
في خطبته، أعلن الإمام حسن عليه السلام أن سبب قبوله للصلح هو نقض العهد من قِبَل الناس في اتباع الإمام الواجب الطاعة، وأشار إلى العاقبة الوخيمة لترك الإمام الذي نصبه الله سبحانه وتعالى.
إعانة الإمام الزمان تجلب البركات للناس
قال الإمام حسن عليه السلام: “والله، لو بايعني الناس وأطاعوني ونصروني، لأمطر الله السماء عليهم بغيثها، ولأرْسَلَت الأرض بركاتها، ولما طمع معاوية في الخلافة.”
وفي ذات الوقت، قال النبي صلى الله عليه وآله: “ما أمة تَولّي أمرها إلى شخصٍ ليس أعلم منهم إلا وي
مضي أمرها إلى الانحدار حتى تصل إلى عبادة العجل”. فقد ترك بنو إسرائيل هارون واتبعوا العجل رغم أنهم علموا أن هارون هو خليفة موسى. وكذلك هذه الأمة تركت عليًّا رغم أنهم سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام: “أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي”.
الانحراف العقائدي الذي أدى إلى الصلح
في هذه الخطبة، أشار الإمام إلى الانحراف الكبير في عقائد الناس، وربما يكون هذا البيان هو أفضل إجابة على السؤال: لماذا تراجع الناس عن نصرة إمامهم؟ لماذا ساعد أهل الكوفة معاوية رغم معرفتهم بفسقه وخيانته بسبب أطماعه الدنيوية؟
محبة العجل في قلوب نقض العهود
نعم، وفقًا لما قاله الإمام حسن المجتبى، هذا الانحراف كان له جذور في عقائد الناس؛ بمعنى أن الجنود قبل أن يقعوا في فخ زر ومعادن معاوية، كانوا قد أصيبوا بالفساد في عقيدتهم، وكان هذا الفساد نابعًا من سقيفة بني ساعدة؛ حيث تم إبعاد الإمام الحق، وتم البيعة بمن هو جاهل بدلًا من العالم.
لا عجب أن من كان في قلبه حب العجل وعبادته، فلن يسارع في نصرة الله ووصي الله. وبناءً على آيات القرآن، يوضح الإمام المجتبى لنا بعض أسرار القرآن التي هي سنة من الله: كلما رفضنا قبول ولاية الإمام الحق، سنكون تحت ولاية العجل، وعبادته كما فعلت أمة موسى حينما رفضت قبول ولاية هارون الذي كان منصوبًا من الله، وفي النهاية أصبحوا عبادًا للعجل.
تمزق الكفن
كان الإمام الحسن عليه السلام يعلم بعلمه الإمامي أن أعداءه سيتعرضون لجنازته بأقصى درجات الإهانة، وكان يعلم أنهم سيطلقون النار على جسده الطاهر حتى يتمزق كفنه – زيارة المجتمع لأئمة المؤمنين – ولكن من خلال هذه الجنازة وإهانة الأعداء، تَجَلَّتْ مصداق العجل في هذه الأمة، ليكون واضحًا الفصل بين طريق الهداية وعبادة الله، وطريق الضلال وعبادة العجل.
حكومة العدل للإمام المهدي لن تتحقق بيد عباد العجل
منذ أن نزل القرآن لجميع الأزمنة، يجب أن نتنبه إلى أن حكومة العدل للإمام المهدي عليه السلام لن تتحقق بيد أولئك الذين أصبحوا كما وصفهم القرآن عباد العجل. علينا أن نحث أنفسنا على أن نعيش حياتنا السياسية والاجتماعية وغيرها تحت ولاية الإمام المهدي، أو أن نكون قد وقعنا في الانحراف الذي وقع فيه قوم موسى.